مثّلت الثقافة والمعرفة على طول خط البشرية الركيزة الأساس التي ابتنيت عليها الحضارات، ولذا عُدّ اختراع الحِرَف حدثاً لبزوغ فجر التاريخ للبشرية في مسيرتها الإنسانية.
ولما كانت البحوث والدراسات واحدة من أهم الركائز التي تستند عليها قافلة المعرفة، وكانت وصايا الدين تدعو إلى معرفة الآخر تحقيقاً للغاية الإلهية بجعلهم شعوبا وقبائل. فقد كانت رسالة مركزنا للآخرعن طريق الوسيط الاكاديمي ليكون هو كاتب الرسالة وحاملها والحادي الذي يحدو نوق المعرفة لها.
بسم الله الرحمن الرحيم
في ظلّ أجواء ملبّدة بغيوم الأحداث السياسيّة المتسارعة، ووسط ظروف دوليّة متقلّبة، ومواقف عالميّة متناقضة، تطلّ مجلة الدراسات الإفريقيّة التي يصدرها مركز الدراسات الإفريقيّة التّابع للعتبة العباسيّة المقدسة، على قرّائها الأعزّاء في عددها الجديد الذي يحمل بين طيّاته عصارة أفكار باحثي المجلة وكتّابها الأكارم الذين لم يبخلوا يوماً على المجلة أو القرّاء الأفاضل بأفكارهم ورؤاهم التنويرية، وتحليلاتهم الناضجة التي تجعل الصورة أكثر وضوحاً وإشراقاً في خضم هذا الكم الهائل من التوجهات والأفكار والرؤى المتشابكة حول مختلف القضايا والأحداث الخاصة بالقارة الإفريقية المعطاء.
ويغلب على مقالات وأبحاث هذا العدد هو تناول القضايا الدولية والأحداث السياسية المتعلقة بالقارة الإفريقية سواء التي حدثت في الماضي أو التي تحدث الآن، وربما يرجع السبب في ذلك إلى ما يشهده عالمنا المعاصر في هذه الأوقات من زوابع سياسية، وأحداث تعصف بالواقع الدولي، وتجتاح دوله بصورة مخيفة جداً، منطلقها الصراع المحموم بين الشرق والغرب، أو قل بين دول الشمال العالمي ودول الجنوب، أو قل بين سيّد لا يريد أن يعترف بأن العالم أضحى يشهد بوادر مخاض جديد ليعلن عن ولادة عالم جديد تتغيّر فيه أقطاب النفوذ والهيمنة، ويتوّج فيه أسياد جدد لهذا العالم المتغيّر، ولكن صاحب النفوذ القديم لا يريد التسليم بهذا الوضع الجديد فتراه يضرب يميناً وشمالاً مستخدماً كل ما يملك من أدوات متاحة لديه، متخذاً هذه المرة الحرب الاقتصادية والتجارية وسيلة في صراعه، لأنه موقن بأن الاقتصاد اليوم هو العامل المؤثر، ومن يملك أزراره ومفاتيحه هو من يسيطر على العالم، وليست القوة العسكرية والآلة الحربية، كما كان سابقاً.