كلمة العدد
كلمة العدد الثاني عشر

بسم الله الرحمن الرحيم

مازالت مجلة دراسات إفريقية الصادرة عن مركز الدراسات الإفريقية التابع لقسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العباسية المقدسة، مازالت تغذّ السير وتحثّ الخطى في مسيرتها العلمية والفكرية والثقافية في مجال عملها ودائرة اهتمامها ألا وهي القارة الإفريقية، هذا القسم العزيز من عالمنا الفسيح الذي حباه الله سبحانه بمواهب جمّة، لم تجتمع لغيره من أرجاء المعمورة، فموارد القارة غزيرة ومتنوّعة، فهي غنية بالنفط والغاز والمعادن، والغابات والموارد الطبيعية، والأنهار الكبيرة الممتدّة عبر القارة التي تعدّ مصدراً لمياه الشرب والزراعة، وإنتاج الطاقة.

وفيها نموّ سكاني لا يتوافر لكثير من بقاع العالم الأخرى؛ إذ تتركّز فيها أكبر نسبة من الشباب في العالم، الأمر الذي أكسب القارة قوّة عاملة ضخمة، أسهمت في مجال التنمية والتطوّر الاقتصادي والعمراني.

وموقعها الجغرافي المهم لا يمكن التغافل عنه، فهي ملتقى الشرق والغرب، وتطلّ سواحلها على أغلب المسطحات المائية في العالم، فيحدّها المحيط الأطلسي من الغرب، والمحيط الهندي والبحر الأحمر من الشرق، والبحر الأبيض المتوسط من الشمال، مما جعلها شريكاً اقتصادياً واستثمارياً مهمّاً لكثير من دول العالم التي عملت على تعزيز التعاون، وتنمية العلاقات الاقتصادية والتنموية مع الدول الإفريقية.

ناهيك عمّا تشتمل عليه القارة الإفريقية من مكمن للتنوّع الثقافي والتراث الإنساني؛ ففيها لغات عديدة،، وتقاليد وطقوس فريدة، ويعتنق سكّانها الديانات والمذاهب المختلفة، فأصبحت بذلك مصدر إلهام للثقافة العالمية.

كل هذه المزايا وغيرها وضع القارة الإفريقية في مرمى الأهداف الجيوسياسية والجيوستراتيجية لقوى النفوذ والسيطرة؛ لبسط هيمنتها على شعوب القارة ونهب ثرواتها ومقدّراتها، واستغلال مواردها الطبيعية.

 فمن هنا برزت أهمية تفعيل الحركة الفكرية والثقافية، وتشكيل معالم الوعي وإنضاجه لدى شعوب القارة من حيث التركيز على إحياء التراث الفكري والحضاري، وتعزيز الوعي الثقافي والتاريخي للأفارقة، والعمل على إشاعة العدالة الاجتماعية، ومحاربة كل أشكال التمييز والعنف، وتوفير فرص التعليم والبحث والابتكار، والاهتمام بالصحة العامة، ودعم الحرية الفكرية والدينية، وحقوق الإنسان والديمقراطية، وتوجيه أفكار الشباب نحو المساهمة في الفعّاليات الاجتماعية والسياسية، كالمشاركة في صنع القرار، والعمل على تعزيز الانتماء الوطني والقارّي.

ولا يمكن خلق كل هذه التحوّلات والمعطيات وإدامتها من دون تضافر جهود العلماء والباحثين والمفكرين والتربويين والسياسيين، من داخل القارة وخارجها ممن يهمّهم أمر شعوبها وتطلّعهم للعيش بحرية وكرامة، والتمتّع بخيراتها وثرواتها.

ونحن لا ننكر أنّ كثيراً من هذه الأهداف والغايات قد تحقق فعلاً، وأخذ العديد من شعوب القارة ودولها يشقّ طريقه نحو تبوّء مكانته المطلوبة بين دول العالم وشعوبه، ومنها وصل إلى مصافّ الدول المتقدمة، ولكن في الوقت عينه ما زال هناك قسم كبير من سكان هذه القارة يعانون من المشاكل الكثيرة والمعوّقات العديدة مما يجعل مساعدتهم فكرياً وثقافياً والدفاع عن قضاياهم العادلة عنهم مهمة ملقاة على عاتق كثير من المراكز العلمية والثقافية والجامعات والمعاهد عبر ما تقوم به من فعاليات مختلفة في هذا المجال، كتنشئة جيل واع ومدرك  لمتطلبات المرحلة، وكذلك إقامة المؤتمرات والندوات والملتقيات، وإصدار المطبوعات من الكتب والمجلات والدوريات.

ومن بين هذه الإصدارات ذات الاهتمام المشترك، أخذت مجلة دراسات إفريقية مساحتها المرموقة التي لم تصل إليها إلا بجهود إدارتها، وأسرتها الكريمة المتمثّلة بالسادة العلماء والمفكرين والباحثين والكتّاب الذين لم يبخلوا عليها بدراساتهم وأبحاثهم القيّمة، واقتراحاتهم السديدة، وها هي تطل على القارئ الكريم بعددها .... ، وتضع بين يديه الكريمتين باقة متنوّعة من الأبحاث والدراسات التي جاءت كعادتها شاملة مستوعبة لجوانب متعددة من شؤون القارة المختلفة، فتجد فيها الأبحاث التاريخية والسياسية والاجتماعية والفكرية، مضافاً لأبوابها الثابتة.

ومن اللافت في هذا العدد ورود بعض الدراسات التي أشارت إلى مسألة مهمّة تسعى المجلة إلى التأكيد عليها وإبرازها، وهي مسألة التفاعل والتأثير والتأثر الحاصل بين أحداث القارة وشؤونها، وبين غيرها من بقاع العالم المختلفة، مما يؤشر على أن حالة التآصر والترابط  والتفاعل بين أجزاء هذا العالم أمر لا مفرّ منه، وينبغي الالتفات إليه، وهذه إحدى أهداف مجلة دراسات إفريقية. فمن هذا المنطلق نشدّ على أيدي الباحثين والكتاب لمزيد من العطاء العلمي، في هذا المجال، والله ولي التوفيق.