بسم الله الرحمن الرحيم
لم تفتأ القارة الإفريقية يوماً بعيدة عن عين عاصفة الصراعات الدولية والقوى الاستعمارية الباحثة عن استغلال ثروات الشعوب واستعباد شعوبها، فتاريخ القارة زاخر بالمآسي والمصائب الشاهدة ـ وبكل أسف ـ على ظلم الإنسان لنظيره الإنسان، ومما ينمي الجرح أكثر أن يأتي هذا الظلم والاستغلال والاستعباد ممن يحملون اليوم شعارات الحرية والعدالة والديمقراطية وحقوق الإنسان، وحق الشعوب في تقرير مصيرها، وما نقصده هو الاستعمار الغربي لإفريقيا الذي مثّل حقبة مؤلمة في تاريخ القارة، حيث استعمرت القوى الاستعمارية الأوروبية معظم أجزاء إفريقيا واستغلت مواردها وسكانها، واستمرت فترة هذا الاستعمار حتى منتصف القرن العشرين حينما بدأت بعض الحركات الوطنية في السعي نحو الاستقلال الجزئي لبعض الدول الإفريقية خلال الخمسينات والستينات من القرن الماضي، ولكنه استقلال ناقص؛ إذ ظلت هذه الدول مرتهنة وتابعة اقتصادياً وسياسياً للدول الاستعمارية.
إلاّ أنه وفي ظل التحوّلات الجديدة التي يمرّ بها العالم والمنذرة بولادة عالم متعدد الأقطاب والقوى تشهد القارة انحسار النفوذ الغربي في إفريقيا نتيجة الوعي المجتمعي الذي بدأ يتنامى ويدرك مدى الحيف الذي وقع على هذه الشعوب، فبدأت بوصلة القارة تتجه نحو قوى جديدة صاعدة من بينها الصين التي تنظر إلى إفريقيا على أنها منطقة استراتيجية مهمة لها من حيث الاستثمارات والتعاون الاقتصادي، فشهدت علاقة الصين بإفريقيا تطوراً كبيراً خلال السنوات الأخيرة، حتى أصبحت الصين من أكبر شركاء التجارة والاستثمار في إفريقيا، حيث تقوم بالاستثمار في مجموعة متنوعة من القطاعات مثل البنية التحتية، التعدين، الزراعة، والطاقة. كما تقدم الصين دعماً للعديد من الحكومات الإفريقية من خلال المساعدات والقروض والتعاون الاقتصادي.
وكذلك روسيا التي تسعى إلى توسيع تواجدها في القارة الإفريقية من خلال التعاون السياسي والاقتصادي والعسكري، وترتكز العلاقات بين روسيا وإفريقيا على مجموعة متنوعة من المجالات، مثل الطاقة، الدفاع، التعليم، والتكنولوجيا.
وتعمل روسيا أيضاً على توقيع اتفاقيات تعاون مع العديد من الدول الإفريقية في مجالات مختلفة، كما تقدم مساعدات عسكرية وتدريبًا للقوات العسكرية في بعض الدول.
جدير ذكره أن توسّعَ نفوذ هذه الدول الصاعدة في إفريقيا أشعل فتيل الصراع من جديد حول مقدّرات هذه القارة، من هنا تبرز أهمية الفعاليات المجتمعية والقوى الوطنية والشعبية، والأحزاب والتجمعات التي تمثل أطياف المجتمع في دول القارة السمراء في الأخذ بزمام المبادرة في تهيئة الرأي العام لخلق أرضية صحيحة تبني عليها التوجهات الوطنية الصحيحة نحو بناء نظام سياسي وطني يعمل من أجل مصلحة الشعوب وتحقيق آمالها في الاستقلال والحرية والتمتع بثرواتها ليضمن لها العيش بكرامة واستقرار، ولتسهم بالتالي في خدمة البشرية من خلال التقدم والتطور العلمي والإنساني.
وعلى هذا المنوال نسجت مجلة دراسات إفريقية الصادرة عن مركز الدراسات الإفريقية التابع لقسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العباسية المقدسة في نقل المعرفة عبر التواصل والتبادل المعرفي بين الباحثين في مجال الدراسات الإفريقية المختلفة، وتحفيز الباحثين والعلماء لنشر نتائج أبحاثهم ومساهماتهم العلمية والأكاديمية في هذا المجال لبناء قاعدة معرفية وبحثية متينة.
وما زالت المجلة ماضية على هذا الطريق بجهود القائمين عليها ومن ورائهم الأخوة المسؤولون في مركز الدراسات الإفريقية الذين أخذوا على عاتقهم العمل على دعم المجلة، في جميع الجوانب، وتوفير الاحتياجات وتذليل الصعاب، إضافة إلى ما يضطلع به المركز من نشاطات علمية وفكرية وثقافية تخدم شعوب القارة الإفريقية.
إنّ مجلة دراسات إفريقية وعبر أعدادها المتقدمة أصبحت مجلة يشار إليها بالبنان، وأخذت مكانتها بين المجلات العلمية المهمة بسبب أبحاثها العلمية الرصينة، والأفكار الإبداعية التي جادت بها قرائح الإخوة الأعزاء من الباحثين والعلماء بالإضافة إلى تخصصها النادر بين المجلات العربية.
وها هي تطل على القرّاء الكرام في عددها هذا بمجموعة من الأبحاث المتنوعة التي شملت زوايا متعددة، كان للشأن السياسي نصيب وافر منها، مع وجود الأبواب الثابتة للمجلة.
لا يمكن لمجلة دراسات إفريقية أن تحافظ على مستواها العلمي وأن تتقدم وترتقي إلى مراتب أعلى إلا بجهود القائمين عليها وتفانيهم في العمل والذي كان مشهوداً طيلة المدة المنصرمة وسيستمر إن شاء الله تعالى، وكذلك بالجهود الخيّرة للسادة العلماء والباحثين والأساتذة الذين لم يبخلوا بأبحاثهم وأفكارهم سائلين المولى لهم التوفيق والسداد خدمة للدين والإنسانية، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.